Archives de catégorie : Non classé

قراءة علمية للقرآن الكريم

 

قراءة علمية للقرآن الكريم

فوزية مدني، دكتورة في تاريخ وفلسفة العلوم

 

صدور كتاب « طلوع الشمس من مغربها »[1] للسيد فريد قبطاني حدث هام يؤسس لرؤية فكرية شاملة تقوم على التوحيد. وهو كذلك موعد جديد مع القرآن في سياق حاد تُواجه الإنسانية فيه مختلف المشكلات المثيرة للقلق والتي تحتاج إلى تمثّل للقيم الدينية النبيلة لمشروع حضارة إنسانيَّة عالميَّة.

ينطلق الباحث في هذه الدراسة من القرآن كمرجعية أصلية وينفض عنه غبار التراكمات التي أثقلته عبر التاريخ بقصد إلقاء الضوء على الطابع المتفرد للقرآن. ويعتمد في ذلك على منهج الاستقراء مفاده التوصل إلى نتائج علمية يمكن التحقق من صحتها. يعرض الكتاب عددا هائلا من ملاحظات مذهلة يزخر بها النص الكريم ، الغاية منها تقديم أدلة علمية تجزم أنه وحي إلهي وليس من كلام البشر. إنّ المعطيات التي رصدها الباحث تكشف عن اتساق دقيق في بنية القرآن سواء في ترتيب السور والآيات وعددها أو في عدد الكلمات والحروف.

إلتزمت الدراسة بالمنهج العلمي بحيث خضعت إلى شروط منطقية صارمة انسجمت فيها المقدمات مع النتائج انسجاما منطقيا ضروريا بحيث أعطت رؤية أكثر وضوحا عن الظواهر العددية في القرآن وبمنهجية عالية. وقد توافقت النتائج فيما بينها لتظهر نظاما في غاية الدقة ومنظومة على قدر عال من التناسق والإحكام تصب في اتجاه واحد مفاده وجود إعجاز رياضي في القرآن. 

اعتمد البحث على قواعد في العد والإحصاء ولجأ إلى المعطيات الرقمية لتسجيل ووصف الظواهر المتكررة والظواهر المفردة في نص القرآن مع الإشارة إلى الارتباطات والعلاقات فيما بينها. فمن الضروري الاطلاع على الأدوات المتاحة من جداول وبيانات ومقدمات في تاريخ جمع القرآن وعلم المخطوطات القرآنية التي تساعد القارئ على الولوج إلى بحوث متشعبة حتى لا تظل هذه الدراسة حكرا على النخبة. يضاف إلى هذا توظيف هذه الدراسة مجالات متخصّصة لم يسبق إليها كالقراءات القرآنية والاختلافات في عدّ آي القرآن.

لكن الأمر لم يقتصر على عرض هذه البيانات بل تعداه إلى ما يكمن وراء هذا النسيج من مفاهيم ومعاني عميقة في القرآن بشكل مستقل عن النزعات التقليدية والإسقاطات المذهبية المختلفة التي يعج بها المأثور الطويل في علم التفسير.

فقد قام السيد فريد قبطاني بتحليل جوانب عدة للنص القرآني دون الإغراق في العموميَّة أو الخطاب البلاغي المعهود ، كما توخي الأسلوب العلمي بالاعتماد على الرياضيات والإحصاء في تحري معالم الاتساق في القرآن الكريم متجاوزا ما هو معهود في مجال دراسات النصوص الدينية. فمن المؤكد أن هذه الطبعة المنقحة من كتاب « طلوع الشمس من مغربها » ستكون لها تداعيات علمية ودينية مهمة ستغير جذريا النظرة السائدة تجاه ظاهرة العددية في القرآن الكريم.

لا شك أن هذه الظاهرة لا تزال مجهولة وتظل مثارا للجدل والتحفّظ وتتعرض لانتقادات واسعة بسبب السذاجة والخلط في المفاهيم التي سادت بعض البحوث التي لم تقم على ضوابط علمية بحتة. إلاّ أننا نجزم عن قناعة أن هذا الكتاب يختلف نوعيا عن كل ما أُلِّف في هذا المجال وأن مصطلح العددية غير لائق لوصف وتحديد طبيعة الدراسات التي تَضمَّنها. فمن الأهمية بمكان القول أنه قدّم رؤية مغايرة لظاهرة العدد في القرآن فتحت أفاقا جديدة حينما راجعت وصححت بعض المحاولات السابقة التي أفرغت النص القرآني من محتواه الدلالي ، فالباحث ما فتئ يؤكد أن كل هذه المعطيات العددية والروابط الرقمية المكتشفة هي مدخل لفهم كنه المعاني السامية للتنزيل الإلهي.

ممّا تقدم لابد من وصف هذه الدراسة بأنها قراءة علمية للقرآن الكريم. فالباحث عمد إلى فك رموز بنية تحتيّة في النص دون أن يتجاهل البعد الفكري والروحي للقرآن الكريم بل تعدّاه إلى توظيف المقاييس اللغوية والعددية في الفهم والاستنباط. وهكذا استطاع التوفيق بين المناهج الكمية والتحليل الدلالي والتفسيري للنص القرآني ووُفّق في إظهار تفاعل بين الشكل والمضمون.

ولعل أبسط نموذج على هذا الأسلوب في التعامل مع نص القرآن هو الباب الذي يحمل اسم « التأويل » ، إذ يعطي فريد قبطاني للقارئ صورة مناسبة عن الأنماط العددية في بنية النص القرآني الكريم ويعرض المعطيات والروابط الرقمية بين الآيات المختلفة والسور، لكنه لا يكتفي بهذا بل أعاد صياغة مفاهيم متوارثة ووظف مهارات أخرى كعلم المعاني والتحليل اللغوي ، للوقوف عما هو خلف هذا البناء. إذ نجده يؤكد على ضرورة فهم العلاقة الوطيدة بين المضمون والبنية الشكلية للآيات لتوضيح النص القرآني وتفسيره باعتباره نصا كليّا يستوجب نفاذا علميا بالغا.

للزيادة في التوضيح ، يمكن استشفاف الخلفية المعرفية والرؤية الفلسفية لهذا العمل والقول أن مبادرة السيد فريد قبطاني في إعادة التفكير في المفاهيم العلمية والتفسيرية للقرآن قائمة على فكرتين سائدتين في الإسلام هما مسألة علاقة الوحي بالعلم وظاهرة الإعجاز العلمي.

لا يوجد تعارض في القرآن بين الوحي والعلم ، نقصد بمصطلح العلم كل نوع من العلوم والمعارف والتطبيقات ، وإن لم يخل التاريخ الإسلامي من بعض السجال بين علماء الدين والفلاسفة. ففي القرآن تتحقق معرفة الله عن طريق الوحي والعلم معا ويترتب عن ذلك مفهوم وحدة المعرفة ، أي أن جميع المعارف تؤدي بالضرورة إلى معرفة الله تعالى. فالحث في القرآن على النظر في ملكوت السماوات والأرض هدفه معرفة الخالق.

أجمع العلماء والفلاسفة المسلمون على عدم التعارض بين العقل والنقل في الإسلام وتلخّص مقالة ابن رشد هذه الفكرة إذ يقول « وإذا كانت هذه الشرائع حقاً وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق فإنّا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع. فإن الحق لا يضادّ الحق بل يوافقه ويشهد له ».[2]

هذا ما تبناه السيد فريد قبطاني في كتابه لما نظر لهذه المسألة بجدية حيث ذهب إلى الاستدلال – في باب « الرحمن » و « الرحيم » من الكتاب – على الغاية من حث القرآن الكريم على العلم والتعليم وعلى مدى توافق العلم والوحي الإلهي. فلا تعارض بين القرآن وما جاء به العلم إذ لم يأت القرآن بشيء قد يتعارض مع مستجدات العلم الحديث في ثوابته ونتائجه اليقينية المُجمع عليها لا في نظرياته المتخالف حولها. يكرّس فريد قبطاني هذا المعنى التوحيدي للوجود إذ يطرح أدلة على وجود بناء علمي مُحكم للقرآن الكريم يعتمد الرياضيات وأنه يجري على سننٍ تحاكي القوانين المتناهية الدقة في الكون.

يترتّب عن هذه الأفكار تداخل وتوافق منهجي عميق بين منهجية القرآن ومنهجية الكون وأن لا تعارض بين المعرفة العلمية والوحي القرآني فكلاهما تعبير عن الحقيقة وعن العناية الإلهية الفائقة. فالوحي المنزّل يوجب تدبّر القرآن والتمعن في كتاب الكون والاهتداء بهما معا.

فإذا كان من البداهة أن القرآن يؤكد على أهمية العلوم في بيان القوانين الضابطة لهذا الوجود فإن الباحث يؤكد على أن هذه الدراسة تثبت من خلال عرض واسع لأدلة علمية أن العلم الحديث يحسم إعجاز القرآن الكريم بالأدلة العقلية والعلمية حيث لا مجال للمزاجية أو المقاييس الذاتية.

ومن قبيل هذا ما كان يعتقده غاليليو في أن لغة الطبيعة التي كتبت بالرياضيات هي وحي أيضا لأن العالِم يصل في نهاية المطاف إلى اكتشاف قوانين هذه الطبيعة عن طريق العقل والتجربة وأنّه لا يخترع شيئا إنما يكتشف القوانين التي تحكم الظواهر. انطلاقا من هذا تُطرح أسئلة جذرية وجوهرية من قبيل ماذا لو كان التنزيل القرآني كذلك ؟ أي لِمَ لا يمكن أن نتصور أن قوانين تنتظم هذا الوحي بمقدور العقل أن يصفها بتطبيق المحاجَّة الرياضية الصارمة ؟

هذا ويسوقنا كتاب « طلوع الشمس من مغربها » إلى موضوع إعجاز القرآن وظواهره المتعددة التي شغلت العلماء المسلمين قديما وحديثا إذ عنيت الدراسات فيه ببلاغة القرآن وأسلوبه وغيرهما من ظواهر البيان. لقد عني القدامى بإبراز أوجه إعجاز القرآن الكريم المتعددة من وجوه البلاغة وصور البديع وألّفوا فيه المصنّفات ، فالجاحظ المتوفى سنة 255هـ‍ ، مثلا صنف كتابا سماه « نظم القرآن » كما كرس الباقلاني المتوفى سنة 402هـ‍ لهذه الظاهرة كتابه « إعجاز القرآن ».

وفي أيامنا كثر الحديث على أن القرآن يشير إلى حقائق علميّة كثيرة في عدد من الآيات كبرهان على أن مصدره إلهي وأن القرآن الذي أنزل منذ قرون أشار إلى عدة حقائق اكتشفها العلم حديثا. وتستمد ظاهرة الإعجاز في القرآن شرعيتها من آيات القرآن ذاته والتي تتحدى العالمين بأن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله.

وينحو كتاب « طلوع الشمس من مغربها » مثل هذا المنحى وخاصة في المجلد الثاني إذ يشرح بعناية أنواعا عديدة من الموافقات الرياضية التي تساعد على تصوّر معالم هذا الإعجاز ليبني على ضوئها أنها تشير جميعها إلى وجهة واحدة وتفصح بقوة عن علامات قصد وحكمة تفوق قدرة الإنسان وإمكانياته.

بفضل اطّلاعه الواسع على الديانات الرئيسة الثلاث ؛ اليهودية والمسيحية والإسلام ، ومعرفته بثقافات مختلفة وإحاطته العلمية والمنهجية استطاع الباحث تخطي المساحات المعرفية المختلفة ومد جسور بين ميادين فكرية وعقائدية مختلفة لصياغة رؤية تكاملية.

إننا لا نبالغ إذا قلنا إن كتاب « طلوع الشمس من مغربها » مشروع طموح ذو أهمية علمية استثنائية تؤكد العمق الفكري والقيّمي للقرآن الكريم مع التركيز على مفهوم التوحيد الكامل والخالص ، وليد المعرفة الدينية والعلمية. يُتوقع أنه سيلقى عناية الخبراء والعاملين في مجال نظرية العلوم والفلسفة Epistemology  والمتخصصين في حقول واسعة من المعرفة كالرياضيات وفروعها من الجبر والمنطق وكذا الاحتمالات والإحصاء لقياس مدى اتساق ومنهجية هذا العمل وتوضيح نتائجه.

 

[1] فريد قبطاني ، « طلوع الشمس من مغربها » ، طبعة البراق سنة 1999 ، و 2000 ، SCDOFG  2018.

Farid Gabteni, Le Soleil se lève à l’Occident, éd. al-Bouraq, 1999, 2000 ; éd. CIRS, 2003, 2004, 2008, 2010 ; éd. SCDOFG, 2016, 2017, 2018.

Farid Gabteni, The Sun Rises in the West, Paris, SCDOFG, 2017, 2018.

 

[2] ابن رشد ، فصل المقال ، الجزائر، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ، 1982 ، ص 33-34.

نور الإسلام : المنظومة الرياضية للنصوص القرآنية

 

نور الإسلام

المنظومة الرياضية للنصوص القرآنية

إسماعيل عمرجي، دكتور في تاريخ وفلسفة العلوم

 

خلص كثير من أهل العلم ومن مؤسسي العلم الحديث إلى طرح مسائل جوهرية ذات بعد ماورائي ، ميتافيزقي قادتهم إليها بالضرورة دراساتهم لنظم الطبيعة التي بمقدور العقل البشري أن يكشف عن مجاهلها وعن سر النظام والضبط والإحكام الدقيق واللامتناهي في الظواهر المادية للكون.

تَكمُن وراء فكرة وجود نظام للعالَم قوةٌ حكيمة عليمة قد ميزت على سبيل المثال فكر نيوتن. إذ يقول في خاتمة مؤلفه الرئيس « الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية «  : « هذا النظام الأنيق للغاية للمجموعة الشمسية والكواكب والمجرات لم يكن لينشأ دون تخطيط وهيمنة متناهية لذات أو روح واعية فائقة الذكاء والقدرة « [1]. ناهيك عن آينشتاين الذي كتب : « إن الإنسان يدرك مدى عدم جدوى الرغبات والغايات الإنسانية حينما يدرك الطابع الراقي والرائع للقوانين التي تتجلى في الطبيعة وفي عالم الفكر. لهذا يشعر بوجوده كفرد سجين ويتوق إلى أن يعيش الوجود كله كشيء ذي وحدة ومغزى. »[2]

ويقول الفلكي جورج لوميتر ، أحد مؤسسي علم الكونيات الحديث : « العلم رائع ، يستحق أن يحب و يمارس لأنه يعكس التدبير الإلهي الخلاق. » [3] في حين يقول عبدوس السلام وهو عالم فيزياء بارز في القرن العشرين : « هذه البنية الرائعة للعالم التي تدركها العقول ، ليست في عين المؤمن سوى خطوة صغيرة لفهم الحكمة الإلهية ، كما لو أنك تعمل على فك بعض الخيوط لنسيج رائع. لا سبيل إلا الوقوف بإجلال وخشوع أمام عمق هذا الجمال والروعة الباهرة للعالم » [4].

إن مسألة  ماهية أصل الوجود والحياة لا تزال تثار إلى يومنا في الأوساط العلمية ، ففي سنة 1999 نظمت « الجمعية العلمية للتقدم العلمي » ، وهي التي تصدر مجلة « سيانس » ملتقى حول المسائل الكونية لطرح السؤال التالي : « هل ثمة تخطيط في الكون؟ » وقد تم خلال هذا الملتقى التأكيد مثلا على توافق نظرية الارتقاء الدارويني والإيمان بخالق. كما تم الـتأكيد على أن فيزياء الكم لا تنقص من مصداقية المادية (materialism) والعلموية(scientism) . ومن جانب آخر، قال بعض العلماء ، استنادا إلى تقدم الفيزياء الفلكية ، بضرورة عدم استبعاد فكرة أن الكون في تطوره  وخصائصه يحمل بصمات تصميم خلاق. و مما قيل أيضا هو أن من شروط إمكانية ظهور الحياة أو الذكاء هي كون قوانين الكون مضبوطة بدقة متناهية ومعقدة للغاية بحيث أنها لو تغيرت ولو قليلا لاستحال أي شكل من أشكال الحياة في الكون. لابد من التنويه إلى أن أصحاب هذه الأفكار، باحثون يؤمنون بنظريات العلم الحديث كما أنهم ليسوا من دعاة نظرية الخلق (Creationism) أو التصميم الذكي (Intelligent design)، النظريتان اللتان تتحفظتان إزاء نظرية التطور.

يلاحظ أنه في سياق السجال الحاد الذي تتضارب الآراء فيه حول مبدأي الخلق والتطور[5]، تم اقتراح حلول للتوفيق بينهما ، لا داعي للخوض فيها. إنّ ما يعنينا هنا المرجعية الدينية الإسلامية التي صدر عنها كتاب « طلوع الشمس من مغربها ». فالدراسات الإسلامية تتفق في عدم تعارض القرآن مع فكرة تطور طبيعي للكون برمّته ؛ إذ لا مانع أن يكون التطور من السنن الكونية لله في الوجود ونمطا لظهور وتطور الخلق والحياة والوعي. فمن تداعيات قبول هذه المفاهيم ، التوافق بين نظريتي التطــور والخلق وبين العلم الحديث و الدين.

وأخيرا وفي إطار هذه الرؤية التوحيدية للكون ، إن كان ثمة معجزة فهي ليست في الكل ، بل هي ممثلة في الكل ذاته : كل ما في الكون وقوانينه وهو كلٌّ موحد ومتنظم. وليس هذا الكل معجزات أو خلقا خارجا من حيز الزمان أو أحداثا خارج نطاق النظم والقوانين أو شاذة أو ماورائية[6].

يلاحظ أن القرآن يتحدث عن مدى انتظام الخلق : { (…) فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (…)}[7] وتجدر الإشارة هنا إلى أن بنية الظواهر الكونية المنتظمة والمضبوطة مثلا ، موضوعٌ عالجه القرآن[8]. فالعالِم المؤمن يرى أن النواميس والثوابت (constants) والبعد الرياضي للكون والطابع الموحد للعالَم (the unitary features of the world) هي تعبير عن إرادة إلهية ، كما أنها تفصح عن حكمة وموازين وسنن تسود الكون ، مُنِحَت كلها للعـقـل الإنسانــي. لذا يحث القـــرآن على إمعـان الـنـظــر وإعمــال الفـكــــر في ملكــوت السمـــــوات والأرض كقوله تعالى :

{ إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَٰفِ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ 190 ٱلَّذِينَ يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا سُبۡحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ 191 }[9].

وعموما فإن القرآن يلح في العديد من الآيات ، ابتداء من الآيات الأولى ، على معرفة خلق الله ، والتفكّر والنظر فيه بإمعان. وبالتالي يمكن تعريف هذا النهج الروحي أو الديني على أنه نهج طبيعي وعقلاني ، يجمع بين الضمير والعلم وممارسة للمعرفة والتعرّف على الحضور الإلهي الفاعل.

يتّضح أن السيد فريد قبطاني سلك ، بحكم إيمانه بالإسلام الصحيح وقيّمه المعرفية ، منهجا خاصا في البحث في القرآن الكريم توسع فيه إلى باقي الكتب السماوية المنزلة.

فقد توصل المؤلف من خلال بحوثه إلى الكشف عن نظام رياضي مشفر مضمن في صلب القرآن وإلى حساب كامن ومذهل ، لا يمكن البتة أن يكون وليد الصدفة ؛ فتمكن بذلك أن يكشف عن فحوى رسالة خلفية ممنهجة وذات مغزى.

من هذا يمكن استنتاج ما يلي :

إن القرآن ، أي الكتاب المسطور والكتاب المنظور، وهو الكون يقومان على بنية رياضية تحتية يمكن فهمها. يفهم من هذا أن تاريخ نشوء وتطور كلٍّ منهما موجه رياضيا. وهذا التوجيه تعبير عن ذاتٍ سامية وعاقلة تتجلى من خلال وفي العقل الإنساني ذاته. وبعبارة أخرى تــنجلي رؤية فكرية ونظام شامل وقاعدة رياضية عامة ويتكشف علم يفصح عن وحدة يجري عليها كل ما هو كائن { (…) فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (…) }[10] فالخلق والقرآن يُفضِيان إلى أصل مشترك وواحد.

إن هذا النظام الطبيعي أو النسق الرياضي  » للكتاب الكبير » ، حسب عبارة جاليليو ، يبدو كأنما أوجد بصورة دقيقة للغاية لكي يعيه ويفهمه عقل البشر، عقل هو ثمرة تطور تعود جذوره إلى أولى بدايات الكون. فالعلم والوعي يصبحان دليلا عن قصد وإرادة. وأن ما مُنِح الإنسان من وسائل إدراك وعلم كلها تشير إلى مصدر واحد ، وإلى غاية بعينها أي الأصل أو العقل الكلِّي الشامل والواحد.

لابد من الإشارة إلى أن أعمال فريد قبطاني تكتسي بُعدا إضافيا لأنها دراسة فريدة من نوعها في حقل التوحيد. فانطلاقا من القرآن اتسع البحث إلى الكتاب المقدس والإنجيل. وقد عرض الجزء الأول من الكتاب بابا تحت عنوان « العهود المهدوية » وهي دراسة متقاطعة بين الكتب السماوية الثلاثة كشفت عن عناصر تتوافق وتتكامل بشكل ملفت للنظر مما يجعل هذه الدراسة نموذجا فعليا للقاء الديانات الإبراهيمية الثلاثة القائمة على التوحيد.

هذا الكتاب الذي يميط الحجاب عن معاني القرآن وثرائه يذكِّر ويؤكّد كون هذا القرآن وحيا خالدا من الله الأحد الواحد الذي لا شريك له ، الصمد الخالق الذي لم يلد ولم يولد. لذا جاء جُزآ هذا الكتاب متكامليْن. كما أن الاستنتاجات الحاسمة التي خلص إليها في الجزء الأول يؤكدها ويدعمها ما جاء في الجزء الثاني. فعلى سبيل المثال ، فواتح السور[11] التي بقيت حينا من الدهر مستشكلة وغير واضحة ، اندرجت بسهولة في سياق هذه الدراسة التي تطرح علمًا مشفرًا لم يخطر على بال ، وتكشف عن بُعد ذا معنى يضيء جوانبا عديدة في القرآن. وفي نهاية المطاف تشكل هذه الدراسة نموذجا يشجع على البحث العميق والموسع[12] لكتاب الله عز وجل الذي لا يضاهي عِلمَه شيءٌ.

تتمتع هذه الطبعة لأعمال السيد فريد قبطاني بإثراء وافر. فدقة الدراسات الرياضية والنصية وجوهرها وطابعها المجدد[13] والرائد وكذا عمق نتائجها في المجال العلمي والفلسفي والديني ، كل ذلك يجعل هذا الانجاز فريدا من نوعه ومتميّزا عن غيره في تاريخ الفكر. فهو يكرس حقلا معرفيا ، ذا أبعاد عميقة ، يتحد فيه العلم والإيمان المتبصِّر. لا شك أنه سوف يترتب عنه إثراء لمسائل مهمة كمفهومي ماهية الواقع[14] ومفهوم المعرفة[15].

أخيرا ، نضيف إلى أن هذا الكتاب يتـفـرّد في إطار التخصص الدقيق لمجالات العلوم ببعض المزايا المنهجية والموضوعية إذ أنه يتوجه للباحث المختص وللقارئ غير المختص.

 

[1] Newton, Isaac, Les Principes mathématiques de la philosophie naturelle, Scholie général.

[2] Einstein, Albert, Œuvres choisies, Tome 5, Seuil-CNRS, 1991, p. 156.

[3] مقولة لجورج لوميتر حين حصل سنة 1934على جائزة فرانكي.

[4] Abdus Salam un physicien, Entretien avec Jacques Vauthier, éd. Beauchesne, 1990.

[5] يرجع التضارب بين نظريتي الخلق والارتقاء أساسا إلى قراءة حرفية للكتاب المقدس من جهة وإلى البحث العلمي الذي يرافقه في بعض الأحيان تفسير مخالف لآيات الكتاب المقدس من جهة أخرى.

[6] يستشهد في هذا الصدد بآيات تنص على أصل واحد للتعدد في الظواهر الكونية والوجود ككلّ وأن الكون الآن في حالة تطور مع توسع :

{ أَوَ لَمۡ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ } (الآية 30 السورة 21).

{ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } (الآية 47، السورة 51).

[7] سورة فاطر ، الآية 43.

[8] مثال ذلك قوله تعالى « الشمس والقمر بحسبان » في الآية 5 من سورة الرحمن.

[9] سورة آل عمران ، الآية 190-191.

[10] سورة فاطر ، الآية 43.

[11] وهي الحروف الموجودة على رؤوس بعض السور دون أن تكوّن كلمات.

[12] وبالأخص متعددة التخصصات.

[13] يحتوي الكتاب على بحوث رياضية ونصيّة إضافة إلى التفاسير والبحوث التاريخية واللغوية. جوهر الكتاب هو أنه يشرح بشكل واضح المعطيات الرياضية والنصية.

[14] أي إثراء النقاش حول الوحي ، وماهية الطبيعة ومكانة الإنسان في الكون ، معنى الغائية والدلائل على وجود الله.

[15] لهذه الأسباب يمثل هذا العمل مصدرا هاما للغاية لمختلف التخصصات ، من العلوم الدقيقة إلى نظرية المعرفة والميتافيزيقيا.

التعلم والنقل

التعلم والنقل

 

إسماعيل عمرجي، دكتور في تاريخ وفلسفة العلوم

 

 

« رسالة الإسلام الأصلية » التي يذكر بها السيد الأستاذ فريد قبطاني [1]، أي الإسلام بدون رتوش، موضوع له أهمية بالغة [2] ؛ فيما يلي بعض الأفكار التي تهدف إلى محاولة فهم طبيعته ومضمونه.

مبادىء الدين

اقترح الفيلسوف المسلم محمد إقبال منذ بضعة عقود « إعادة تكوين الفكر الديني للإسلام »، و »إعادة التفكير في النظام الإسلامي برمته دون الانقطاع عن الماضي »، وذلك كي يتحرر الدين من التقاليد البالية والمفارقات التاريخية التي تحجب حقيقته وعظمته، إعادة الإسلام في حقيقته.

يقترح السيد فريد قبطاني اليوم، في إطار أفكاره بشأن أسس الفكر الإسلامي ومبادئه الأساسية، الرجوع إلى المصدر القرآني ، ليس إعادة تكوين الفكر الديني للإسلام وإنما العودة بالكامل إلى رسالة الحقيقة والسلام في الإسلام  [3] ، المبادىء الأساسية والعالمية وبعبارات أخرى الراهنة تماما ، وتعرّف إسلام الأمس واليوم، إسلام المستقبل والغد. الآية التالية من القرآن الكريم تبرز هذا النهج :  » يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين » [4].

الرجوع إلى الرسالة الأصلية التي لا تشكل على الإطلاق عودة إلى الماضي، إلى شكل من ضمن أشكال أخرى للتمسك بالماضي والوضع القائم دون قبول بالتغيير، يعني عودة إلى جوهر الرسالة التي أنزلت، الجوهر الذي يضيء المعاني ويطهرها ويشيع الطمأنينة، إلى الفكر عبر النصوص ، مصدر رقي وخصوبة الفكر ، كمال النهج الديني والدين [5]. كان الوحي فترة تأسيس بارزة جسدت حركية تطوير وإثراء الفكر والتاريخ.

الإسلام بوصفه دين عبادة الإله الواحد الذي لا شريك له[6]؛ يذكرنا الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم مخاطبا البشرية كلها بأنه دين إبراهيم عليه السلام، المرجع المشترك للديانات الثلاث الكبرى المعاصرة التي تعتبر توحيدية. هذه العبادة نجدها في البحث عن الحق والكمال والعلا [7]. وهي بذلك تعتبر مصدرا لكمال وسمو الإنسان والإنسانية [8].

المبدأ الأول الإسلامي المعروف جيدا والمعترف به والذي ذكر آنفا هو الاعتراف بالله الواحد الأحد لا شريك له [9] . كان الإسلام منذ عهد نزول الوحي على سيّدنا النبي محمد صلّى الله عليه وسلم عودة قوية في تاريخ البشرية للتوحيد الخالص ، التوحيد الكامل والحصري ، كي يرسخ إلى الأبد في الكون. هذا المبدأ الأول الذي يشهد المسلم من خلاله بوجود الأول الله الذي هو أساس حياته وعمله، جزء لا يتجزأ من نهج أساسي للمعرفة عن طريق العقل، معرفة الخالق والخلق، معرفة الخالق بشهادة خلقه والخلق بموجب وجود خالقه؛ على غرار نهج سيّدنا إبراهيم عليه السلام ووفقا لأوّل وحي في القرآن الكريم : « اقرأ باسم ربك الذي خلق » [10].

وصل إبراهيم عليه السلام إلى الاعتراف بخالق قادر على كل شيء وشهد بذلك عن طريق البحث عن الحقيقة وملاحظة الطبيعة كما يقص علينا القرآن الكريم، الدعامة الأساسية للإسلام والمرجعية الأولى للمسلم. إن المسلم الحق يعبد الله الواحد الأحد بالمنطق والعقل وبطبيعته الإنسانية [11].

إن فكرة الإله الواحد المتعالي تبقى و ستبقى فكرة لا يمكن تجاوزها ولا تبطل ولا غنى عنها، عبادة الله الواحد التي فرضها الإسلام دين الحصرية والكمال [12] الذي دخل تاريخ الفكر وحافظ على حركيّته وحسم أفقه [13]. فكرة الواحد الأحد الفلسفية الدينية بامتياز تؤكد نفسها كفكرة منطقية تماما وسامية في الوقت نفسه.

وثمة مبدأ آخر، يعتبر جزءا لا يتجزأ من الإسلام ويرجع إلى العقل، يرتبط ارتباطا وثيقا بالمبدأ الأول، وهو البر والإحسان اعترافا بالله البر تجاه خلقه. هذه اللازمة القرآنية التي تتردد منذ بداية القرآن الكريم وحتى نهايته ليس بها أي غموض أو إبهام : الإيمان بطبيعته ملازم لعمل الخير الصحيح والنافع.

يتجلى مبدأ البر والإحسان مثلا في مصطلحات تعني عدم تدمير وتشويه وتدهور الخلق، أي أعمال الترميم وحفظ وكمال الخلق في كل مجال لازم.

إن المجالات الممتدة للعلم والتكنولوجيا والقدرات التي يمنحانها وآثارهما على الغلاف الحيوي تعتبر مجالا مهما لمسئولية الإنسان والتطبيق الملح لهذا المبدأ. يرى المؤمن أنه مسئول أمام الخالق والخلق. الناس بوجه عام يرون إنهم مسؤولون تجاه البشرية والتاريخ.

عمل المؤمن

خلافا لأولئك الذين يخونون الإسلام بأفعالهم أو أقوالهم ويحرفون رسالته ويحولونها، يوجد عدد من الأطراف الفاعلة الأخرى التي تتمسك بالإسلام فتستلهم مبادئه الأساسية وتعمل بكل صدق وإخلاص. إنهم هؤلاء المسلمون بحق الصادقون والمخلصون البعيدون عن أي تعصب أعمى أو تطرف هدام يخالفان الإسلام تماما، هم الذين يشجعهم مؤلف السيد فريد قبطاني. هم يعيشون ويحيون الإسلام الأصلي، إسلام النور، إسلام السلام والوحدة، إسلام الكرم والخير، إسلام الاستقامة والحكمة، والعدالة والاتزان. أولئك المسلمون مستنيرون يمارسون إنسانيتهم بكل ما فيها لمصلحة البشرية.

يدعو الإسلام من خلال مبادئه الأساسية والأزلية الخلق للعودة إلى النظام الإلهي العالمي، إلى طبيعة الطبيعة، إلى طبيعته الخاصة به كخلق، إلى وضع نشأته. يهدف الدين إلى صنع حركية [14] وحضارة معرفة واعتراف. لقد أسهم ويسهم في جوهره في تاريخ البشرية والحضارة الإنسانية.

تتطلب وحدة المسلمين ومنها وحدة السنة والشيعة وما وراؤها وحدة المؤمنين ووحدة البشرية العودة إلى الرسالة الأصلية والعالمية التي أنزلها الله.

وأخيرا يتيح مؤلف السيد فريد قبطاني التطرق إلى العديد من الموضوعات الجوهرية والحيوية والتفكير فيها؛ يعرض أفكارا مستنيرة لشخص إنساني النزعة وهو طرف فاعل وعالم بموضوع الإسلام، وذلك من خلال تجربة ثرية وتأمل عميق. وتنتج عن ذلك رؤية موسعة للإسلام بعيدة عن القوالب المتكررة المعتادة والأحكام المسبقة التي تنبثق من داخل وخارج “الإسلام”، مقدمة مستنيرة وسليمة لقراءة القرآن. نذكر بأن ما أسهم في هذه القراءة أعماله التي أثبت فيها ترتيبا حسابيا للنصوص القرآنية ومن ثم طابعه الحي والراهن وأمكن تصور ما ورائية /ميتافيزيقا/ التوحيد وفقا لمصطلحات علم صحيح [15]. في الواقع أن المؤلف يدعم بهذه المناسبة الفكرة التوحيدية لتنظيم للحقيقة ، من الأصل إلى ما هو راهن، من الطبيعة إلى الثقافة، لندرسها ونكتشفها، بعبارات أخرى تنظيم يقوم به منظم أعلى. كل ذلك يسهم في أن يجعل من الكتاب الذي أعده ونقله السيد المؤلف علامة بارزة في تاريخ الأديان.

وعلاوة على ذلك، يسهم هذا المؤلف في إسقاط الحواجز التي قامت على الجهل والعنف، ومد جسر بين البشر، بشر المعرفة والسلام، حول قيم مشتركة للجنس البشري تدعمها فكرة نظام إلهي يجب الالتزام به وإدامته على الصعيد الإنساني. هو قبل كل شيء الالتجاء والعودة الداخلية إلى الله ، الصّمد، اختيار الإنسان لما هو إلهي، التعبير عن أفضل ما في الإنسان، ما هو إنساني إلى أقصى حد والذي يسمح بتقليص بل بإصلاح التشوهات والشرور العديدة الحالية والتي تهدد بالخطر، وذلك من أجل وضع أفضل واء من وجهة النظر الفردية أم العامة، وفي سبيل عالم من التكافل والترابط. إن الشرور والأخطار التي نتعرض لها اليوم والتي تعد نتاج التاريخ ليست سوى نتيجة مسار يبتعد عن هذا الالتجاء وهذه العودة [16] اللذين تتسم طبيعتهما بالحماية والإحسان لأنها سامية. 

وختاما، يشكل مؤلف السيد فريد قبطاني مساهمة أساسية في السياق الحالي تتسم بضرورة الممارسة المتزايدة والملحة للأبعاد الإنسانية للضمير والحكمة.

[1] أنظر في هذا الموضوع النص بعنوان "رسالة الإسلام الأصلية" في كتابه: "طلوع الشمس من مغربها" (مؤسسة حفظ ونشر أعمال السيد/ فريد قبطانيSCDOFG ).

[2] من وجهة نظر مزدوجة ، وجهة الحالة الراهنة ووجهة الإنسانية (بالمعنى المزدوج للمصطلح)

[3] هذه الرسالة موجودة بالكامل في القرآن الكريم ولكن غالبا ما تحجبها تقاليد مصطنعة غريبة عنها ، تقاليد تفسيرية غاصبة وضارة ومشوهة ومنحرفة.

[4] سورة البقرة ، الآية 208. 

[5] بصدد الكمال الذي لا يختصر إلى أي تقليد متجمد بطبيعته. الحقيقة في رسالة الإسلام هي فكرة غير متصلبة ولا تؤدي إلى التصلب، فكرة تصنع وترعى حركية البحث والدراسة والفكر . ينسجم ذلك تماما مع الفكرة الإسلامية للإله الحي القيوم، المعلم الذي لا تنفد كلماته.

[6] فكرة معنية حتى في معنى كلمة "إسلام" نفسها.

[7] القرآن يحث في جوهره على التفكير والبحث بلا حدود وبدون غمامات، وينعكس ذلك في الموضوعات التي يذكرها ويتناولها، على نقيض العقم الذي أحدثته على مدى قرون عقائد ذات طبيعة أخرى، مضادة للطبيعة. نشير إلى أن نسبة كبيرة من آيات القرآن (عدة مئات تعادل ثمن مجموع الآيات) تدعو إلى البحث في جميع المجالات، مجالات الخلق ومجمل الخلق. مثلا يعطي معنى اتساع حجم الدعوة القرآنية للنظر والتفكر والاكتشاف : "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191) " (سورة آل عمران).

[8] نشير إلى أن هذا يتعارض بصورة جذرية مع كل ما يمس الإنسانية وخلق الله بأي شكل من الأشكال.

[9] الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، هو الأول والآخر، الرحمان الرحيم ، الحق ، الذي يعلم كل شيء والقادر على كل شيء. ليس كمثله شيء.

[10] في الترتيب الزمني لوحي القرآن، الآيات الخمس الأولى التي أنزلت هي كما نقل واستقر الآيات من 1 إلى 5 من سورة العلق رقم 96 : "اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5) ".

[11] ليس وفقا لعادات مكتسبة أو كمستعبد أمام سيده، بل مثل التلميذ الذي يملك القدرة على الإدراك والفهم، الذي يبحث عن المعرفة ويرجع إلى تعليم ربه الذي يعينه على التقدم في نفاذ البصيرة والحكمة. الإسلام الحقيقي يستوجب السلام ويتجلى في الانتباه والدراسة والاستماع والفهم والإدراك والذكاء والتمكن. ليس هناك إسلام بدون ذكاء واعتراف وبر وإحسان، بدون سلام النفس وروح السلام. يشير السيد فريد قبطاني إلى أن السلام يميز الإسلام بصفة أساسية حتى من الناحية اللغوية للمصطلح.

[12] أي دين عبادة إله واحد لا شيء ولا أحد مثله.

[13] على نقيض العقائد بصفة عامة النسبية والعابرة.

[14] شخصية وجماعية على السواء.

[15] نحيل القارئ في هذا الموضوع إلى المقدمة التي كتبناها لكتاب السيد فريد قبطاني "طلوع الشمس من مغربها".

[16] نذكّر في هذا المقام بالآية القرآنية : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ..." (سورة النساء، الآية 79).